وتوفي الوالد - وهو على نيابة دمشق بها - في يوم الخميس سادس عشر المحرم‏. ونذكر التعريف به‏:‏ فهو
تغري بردي بن عبد الله من خواجا بشبغا‏. كان رومي الجنس‏. اشتراه الملك الظاهر برقوق في أوائل
سلطنته وأعتقه وجعله في يوم عتقه خاصكيا ثم جعله ساقيا وأنعم عليه بحصة من شيبين القصرثم جعله
رأس نوبة الجمدارية إلى أن نكب الملك الظاهر برقوق وخلع وحبس بسجن الكرك فحبس الوالد بدمشق
فإنه كان قد توجه مع من توجه من عسكر السلطان لقتال الناصري ومنطاش فقبض عليه هناك وسجن‏.
ودام في سجن دمشق إلى أن أخرجه الأمير بزلار العمري نائب دمشق وجعله بخدمته هو ودمرداش
المحمدي ودقماق المحمدي‏. واستمر الوالد بدمشق إلى أن خرج الملك الظاهر برقوق من سجن الكرك
فبادر الوالد بالتوجه إليه قبل أن يستفحل أمره وحضر معه الوقعة المشهورة التي كانت بينه وبين
منطاش‏. وحمل الوالد في الوقعة المذكورة على شخص من أمراء منطاش يسمى آقبغا اليلبغاوي فقنطره
عن فرسه فسأل برقوق عنه فقيل له تغري بردي فتفاءل برقوق باسمه لأن معناه‏:‏ الله أعطى وأنعم عليه
بإقطاع إمرة طبلخاناه دفعة واحدة مع أنه كان أنعم عليه قبل خروجه للسفر بإمرة ثم أرسله الملك الظاهر
برقوق إلى مصر يبشر من بها بسلطنته ونصرته على منطاش ودخل الظاهر في أثره إلى مصر. وبعد
قليل أنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية ثم جعله رأس نوبة النوب ثم ولاه نيابة حلب بعد
جلبان قراسقل‏. ثم عزله وأنعم عليه بتقدمة ألف بمصر على خبز شيخ الصفوي الخاصكي أمير مجلس‏.
وقبل أن يخلع عليه بإمرة مجلس نقله إلى إمرة سلاخ عوضا عن بكلمش العلائي بحكم مسكه‏. واستمر
على ذلك إلى أن كانت وقعة الأتابك أيتمش مع الملك الناصر فرج في سنة اثنتين وثمانمائة‏. وكان الوالد
قد انضم على أيتمش هو وجماعة من الأمراء - حسبما ذكرناه في ترجمة الملك الناصر فرج - وانهزم
الجميع بعد الوقعة وخرجوا من مصر إلى الأمير تنم نائب الشام وعادوا صحبته فانكسر تنم أيضا
وقبض على الجميع وقتلوا بقلعة دمشق إلا الوالد لشفاعة أم الملك الناصر فيه وآقبغا الأطروش وقتل من
عداهما‏. ودام الوالد بسجن قلعة دمشق إلى أن أطلق وتوجه إلى القدس بطالا بسفارة أم الملك الناصر
أيضا فدام بالقدس إلى أن طلبه الملك الناصر بغزة وخلع عليه بنيابة دمشق عوضا عن سودون قريب
الملك الظاهر برقوق بحكم أسره مع تيمور‏. فحكم الوالد دمشق مدة ثم انهزم مع الملك الناصر فرج إلى
الديار المصرية واستولى تيمور على دمشق‏. وأنعم الملك الناصر فرج على الوالد بتقدمة ألف بالقاهرة
فدام مدة يسيرة وخلع عليه أيضا بإعادته لنيابة دمشق بعد خروج تيمور منها كل ذلك في سنة ثلاث
وثمانمائة‏. فتوجه الوالد إليها وأقام بها إلى أن بلغه نية الملك الناصر بالقبض عليه ففر منها وتوجه إلى
دمرداش نائب حلب وعصيا معا ووقع لهما أمور وحروب إلى أن انهزما‏. وتوجه الوالد إلى بلاد التركمان
فأقام بها مدة إلى أن طلب إلى الديار المصرية وأنعم عليه بتقدمة ألف وأجلس رأس الميسرة أتابكا‏.
واستمر على ذلك إلى أن اختفى الملك الناصر فرج وخلع بأخيه المنصور عبد العزيز فخرج الوالد من
الديار المصرية على البرية بجماعة من مماليكه إلى أن توجه إلى القدس فدام في برية القدس إلى أن
عاد الملك الناصر أفرج إلى السلطنة ودخل على الأخت وكان الناصر عقد عقده عليها قبل خلعه بحضرة
الوالد فلما تسلطن ثانيا دخل بها في غيبة الوالد‏. ثم أرسل الناصر فرج بطلب الوالد فحضر الوالد على
حاله أولا إلى أن خلع عليه الملك الناصر باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية عوضا عن يشبك
الشعباني في سنة عشر وثمانمائة فدام على ذلك إلى أن نقل إلى نيابة دمشق في أواخر سنة ثلاث
عشرة وثمانمائة على كره منه بعد واقعة الكرك - وقد ذكرنا سبب ولايته في ترجمة الملك الناصر لما كان
على حصار الكرك - فدام على نيابة دمشق إلى أن مات في ولايته هذه وهي الثالثة لنيابة دمشق ودفن
بتربة الأمير تنم معه في فسقية واحدة‏. ولا أعلم من أخباره شيئا لصغر سني في حياته فإن كان مشكور
السيرة فالله تعالى ينفعه بفعله وإن كان غير ذلك فالله تعالى يرحمه بفضله‏. وخلف الوالد عشرة أولاد
ستة ذكور وأربع إناث أسن الجميع خوند فاطمة توفيت سنة ست وأربعين ثم الزيني قاسم في قيد
الحياة ومولده قبل القرن ثم الشرفي حمزة توفي سنة تسع وأربعين بالطاعون ثم بيرم ماتت في سنة
ست وعشرين ثم هاجر توفيت سنة خمس وأربعين ثم إبراهيم توفي سنة ست وعشرين ثم محمد مات
سنة تسع عشرة وثمانمائة ثم إسماعيل مات سنة ثلاث وثلاثين بالطاعون ثم شقراء في قيد الحياة ثم
كاتبه عفا الله تعالى عنه وأنا أصغر الجميع ومولدي بعد سنة إحدى عشرة وثمانمائة تخمينا‏. وخلف
الوالد من الأموال والسلاح والخيول والجمال شيئا كثيرا إلى الغاية استولى على ذلك كله الملك الناصر
فرج لما عاد إلى دمشق منهزما من الأمير شيخ ونوروز ثم قتل الملك الناصر بعد أيام وتركنا فقراء من
فقراء المسلمين فلم يضيعنا الله سبحانه وتعالى وأنشأنا على أجمل وجه من غير مال ولا عقار ولله
الحمد‏.

RDF (2)

crm:P140_assigned_attribute_to https://ihodp.ugent.be/mpp/informationObject-metadata-quotation-5909
crm:P3_has_note وتوفي الوالد - وهو على نيابة دمشق بها - في يوم الخميس سادس عشر المحرم‏. ونذكر التعريف به‏:‏ فهو تغري بردي بن عبد الله من خواجا بشبغا‏. كان رومي الجنس‏. اشتراه الملك الظاهر برقوق في أوائل سلطنته وأعتقه وجعله في يوم عتقه خاصكيا ثم جعله ساقيا وأنعم عليه بحصة من شيبين القصرثم جعله رأس نوبة الجمدارية إلى أن نكب الملك الظاهر برقوق وخلع وحبس بسجن الكرك فحبس الوالد بدمشق فإنه كان قد توجه مع من توجه من عسكر السلطان لقتال الناصري ومنطاش فقبض عليه هناك وسجن‏. ودام في سجن دمشق إلى أن أخرجه الأمير بزلار العمري نائب دمشق وجعله بخدمته هو ودمرداش المحمدي ودقماق المحمدي‏. واستمر الوالد بدمشق إلى أن خرج الملك الظاهر برقوق من سجن الكرك فبادر الوالد بالتوجه إليه قبل أن يستفحل أمره وحضر معه الوقعة المشهورة التي كانت بينه وبين منطاش‏. وحمل الوالد في الوقعة المذكورة على شخص من أمراء منطاش يسمى آقبغا اليلبغاوي فقنطره عن فرسه فسأل برقوق عنه فقيل له تغري بردي فتفاءل برقوق باسمه لأن معناه‏:‏ الله أعطى وأنعم عليه بإقطاع إمرة طبلخاناه دفعة واحدة مع أنه كان أنعم عليه قبل خروجه للسفر بإمرة ثم أرسله الملك الظاهر برقوق إلى مصر يبشر من بها بسلطنته ونصرته على منطاش ودخل الظاهر في أثره إلى مصر. وبعد قليل أنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية ثم جعله رأس نوبة النوب ثم ولاه نيابة حلب بعد جلبان قراسقل‏. ثم عزله وأنعم عليه بتقدمة ألف بمصر على خبز شيخ الصفوي الخاصكي أمير مجلس‏. وقبل أن يخلع عليه بإمرة مجلس نقله إلى إمرة سلاخ عوضا عن بكلمش العلائي بحكم مسكه‏. واستمر على ذلك إلى أن كانت وقعة الأتابك أيتمش مع الملك الناصر فرج في سنة اثنتين وثمانمائة‏. وكان الوالد قد انضم على أيتمش هو وجماعة من الأمراء - حسبما ذكرناه في ترجمة الملك الناصر فرج - وانهزم الجميع بعد الوقعة وخرجوا من مصر إلى الأمير تنم نائب الشام وعادوا صحبته فانكسر تنم أيضا وقبض على الجميع وقتلوا بقلعة دمشق إلا الوالد لشفاعة أم الملك الناصر فيه وآقبغا الأطروش وقتل من عداهما‏. ودام الوالد بسجن قلعة دمشق إلى أن أطلق وتوجه إلى القدس بطالا بسفارة أم الملك الناصر أيضا فدام بالقدس إلى أن طلبه الملك الناصر بغزة وخلع عليه بنيابة دمشق عوضا عن سودون قريب الملك الظاهر برقوق بحكم أسره مع تيمور‏. فحكم الوالد دمشق مدة ثم انهزم مع الملك الناصر فرج إلى الديار المصرية واستولى تيمور على دمشق‏. وأنعم الملك الناصر فرج على الوالد بتقدمة ألف بالقاهرة فدام مدة يسيرة وخلع عليه أيضا بإعادته لنيابة دمشق بعد خروج تيمور منها كل ذلك في سنة ثلاث وثمانمائة‏. فتوجه الوالد إليها وأقام بها إلى أن بلغه نية الملك الناصر بالقبض عليه ففر منها وتوجه إلى دمرداش نائب حلب وعصيا معا ووقع لهما أمور وحروب إلى أن انهزما‏. وتوجه الوالد إلى بلاد التركمان فأقام بها مدة إلى أن طلب إلى الديار المصرية وأنعم عليه بتقدمة ألف وأجلس رأس الميسرة أتابكا‏. واستمر على ذلك إلى أن اختفى الملك الناصر فرج وخلع بأخيه المنصور عبد العزيز فخرج الوالد من الديار المصرية على البرية بجماعة من مماليكه إلى أن توجه إلى القدس فدام في برية القدس إلى أن عاد الملك الناصر أفرج إلى السلطنة ودخل على الأخت وكان الناصر عقد عقده عليها قبل خلعه بحضرة الوالد فلما تسلطن ثانيا دخل بها في غيبة الوالد‏. ثم أرسل الناصر فرج بطلب الوالد فحضر الوالد على حاله أولا إلى أن خلع عليه الملك الناصر باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية عوضا عن يشبك الشعباني في سنة عشر وثمانمائة فدام على ذلك إلى أن نقل إلى نيابة دمشق في أواخر سنة ثلاث عشرة وثمانمائة على كره منه بعد واقعة الكرك - وقد ذكرنا سبب ولايته في ترجمة الملك الناصر لما كان على حصار الكرك - فدام على نيابة دمشق إلى أن مات في ولايته هذه وهي الثالثة لنيابة دمشق ودفن بتربة الأمير تنم معه في فسقية واحدة‏. ولا أعلم من أخباره شيئا لصغر سني في حياته فإن كان مشكور السيرة فالله تعالى ينفعه بفعله وإن كان غير ذلك فالله تعالى يرحمه بفضله‏. وخلف الوالد عشرة أولاد ستة ذكور وأربع إناث أسن الجميع خوند فاطمة توفيت سنة ست وأربعين ثم الزيني قاسم في قيد الحياة ومولده قبل القرن ثم الشرفي حمزة توفي سنة تسع وأربعين بالطاعون ثم بيرم ماتت في سنة ست وعشرين ثم هاجر توفيت سنة خمس وأربعين ثم إبراهيم توفي سنة ست وعشرين ثم محمد مات سنة تسع عشرة وثمانمائة ثم إسماعيل مات سنة ثلاث وثلاثين بالطاعون ثم شقراء في قيد الحياة ثم كاتبه عفا الله تعالى عنه وأنا أصغر الجميع ومولدي بعد سنة إحدى عشرة وثمانمائة تخمينا‏. وخلف الوالد من الأموال والسلاح والخيول والجمال شيئا كثيرا إلى الغاية استولى على ذلك كله الملك الناصر فرج لما عاد إلى دمشق منهزما من الأمير شيخ ونوروز ثم قتل الملك الناصر بعد أيام وتركنا فقراء من فقراء المسلمين فلم يضيعنا الله سبحانه وتعالى وأنشأنا على أجمل وجه من غير مال ولا عقار ولله الحمد‏.